فصل: قال الماوردي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ فَإِذَا هُمْ فَرِيقَانِ يَخْتَصِمُونَ (45)}.
القصة الثالثة: قصة صالح عليه السلام:
قرئ: {أَنِ اعبدوا الله} بالضم على إتباع النون الباء.
أما قوله: {فَإِذَا هُمْ فَرِيقَانِ} ففيه قولان: أحدهما: المراد فريق مؤمن وفريق كافر الثاني: المراد قوم صالح قبل أن يؤمن منهم أحد.
أما قوله: {يَخْتَصِمُونَ} فالمعنى أن الذين آمنوا إنما آمنوا لأنهم نظروا في حجته فعرفوا صحتها، وإذا كان كذلك فلابد وأن يكون خصمًا لمن لم يقبلها، وإذا كان هذا الاختصام في باب الدين دل ذلك على أن الجدال في باب الدين حق وفيه إبطال التقليد.
أما قوله: {قَالَ يا قوم لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بالسيئة قَبْلَ الحسنة} ففيه بحثان:
الأول: في تفسير استعجال السيئة قبل الحسنة وجهان: أحدهما: أن الذين كذبوا صالحًا عليه السلام لما لم ينفعهم الحجاج توعدهم صالح عليه السلام بالعذاب فقالوا: {ائتنا بِعَذَابِ الله إِن كُنتَ مِنَ الصادقين} [العنكبوت: 29] على وجه الاستهزاء، فعنده قال صالح: {لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بالسيئة قَبْلَ الحسنة} والمراد أن الله تعالى قد مكنكم من التوصل إلى رحمة الله تعالى وثوابه، فلماذا تعدلون عنه إلى استعجال عذابه وثانيهما: أنهم كانوا يقولون لجهلهم إن العقوبة التي يعدها صالح إن وقعت على زعمه أتينا حينئذ واستغفرنا فحينئذ يقبل الله توبتنا ويدفع العذاب عنا، فخاطبهم صالح على حسب اعتقادهم، وقال هلا تستغفرون الله قبل نزول العذاب فإن استعجال الخير أولى من استعجال الشر.
البحث الثاني: أن المراد بالسيئة العقاب وبالحسنة الثواب، فأما وصف العذاب بأنه سيئة فهو مجاز وسبب هذا التجويز، إما لأن العقاب من لوازمه أو لأنه يشبهه في كونه مكروهًا، وأما وصف الرحمة بأنها حسنة فمنهم من قال إنه حقيقة ومنهم من قال إنه مجاز والأول أقرب، ثم إن صالحًا عليه السلام لما قرر هذا الكلام الحق أجابوه بكلام فاسد، وهو قولهم: {اطيرنا بِكَ} أي تشاءمنا بك لأن الذي يصيبنا من شدة وقحط فهو بشؤمك وبشؤم من معك.
قال صاحب الكشاف كان الرجل يخرج مسافرًا فيمر بطائر فيزجره فإن مر سانحًا تيمن وإن مر بارحًا تشاءم فلما نسبوا الخير والشر إلى الطائر استعير لما كان للخير والشر وهو قدر الله وقسمته، فأجاب صالح عليه السلام بقوله: {طَائِرُكُمْ عِندَ الله} أي السبب الذي منه يجيء خيركم وشركم عند الله وهو قضاؤه وقدره إن شاء رزقكم وإن شاء حرمكم وقيل بل المراد إن جزاء الطيرة منكم عند الله وهو العقاب، والأقرب الوجه الأول لأن القوم أشاروا إلى الأمر الحاصل فيجب في جوابه أن يكون فيه لا في غيره، ثم بين أهذا جهل منهم بقوله: {بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ} فيحتمل أن غيرهم دعاهم إلى هذا القول، ويحتمل أن يكون المراد أن الشيطان يفتنكم بوسوسته، ثم إنه سبحانه قال: {وَكَانَ في المدينة تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ في الأرض} والأقرب أن يكون المراد تسعة جمع إذ الظاهر من الرهط الجماعة لا الواحد، ثم يحتمل أنهم كانوا قبائل، ويحتمل أنهم دخلوا تحت العدد لاختلاف صفتهم وأحوالهم لا لاختلاف السبب، فبين تعالى أنهم يفسدون في الأرض ولا يمزجون ذلك الفساد بشيء من الصلاح، فلهذا قال: {يُفْسِدُونَ في الأرض وَلاَ يُصْلِحُونَ} ثم بين تعالى أن من جملة ذلك ما هموا به من أمر صالح عليه السلام.
أما قوله: {تَقَاسَمُواْ بالله} فيحتمل أن يكون أمرًا أو خبرًا في محل الحال بإضمار قد، أي قالوا متقاسمين، والبيات متابعة العدو ليلًا.
أما قوله: {ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيّهِ مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ} يعني لو اتهمنا قومه حلفنا لهم أنا لم نحضر.
وقرئ: {مهلك} بفتح الميم واللام وكسرها من هلك ومهلك بضم الميم من أهلك، ويحتمل المصدر والمكان والزمان، ثم إنه سبحانه قال: {وَمَكَرُواْ مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ} وقد اختلفوا في مكر الله تعالى على وجوه: أحدها: أن مكر الله إهلاكهم من حيث لا يشعرون، شبه بمكر الماكر على سبيل الاستعارة، روي أنه كان لصالح عليه السلام مسجد في الحجر في شعب يصلي فيه، فقالوا زعم صالح أنه يفرغ منا إلى ثلاث فنحن نفرغ منه، ومن أهله قبل الثلاث فخرجوا إلى الشعب وقالوا إذا جاء يصلي قتلناه، ثم رجعنا إلى أهله فقتلناهم، فبعث الله تعالى صخرة فطبقت الصخرة عليهم فم الشعب فهلكوا وهلك الباقون بالصيحة وثانيها: جاءوا بالليل شاهرين سيوفهم وقد أرسل الله تعالى الملائكة ملء دار صالح فدمغوهم بالحجارة، يرون الأحجار ولا يرون راميًا وثالثها: أن الله تعالى أخبر صالحًا بمكرهم فتحرز عنهم فذاك مكر الله تعالى في حقهم.
أما قوله: {أَنَّا دمرناهم} استئناف، ومن قرأ بالفتح رفعه بدلًا من العاقبة أو خبر مبتدأ محذوف تقديره هي تدمرهم أو نصبه على معنى لأنا أو على أنه خبر كان أي كان عاقبة مكرهم الدمار.
أما قوله: {خَاوِيَةٍ} فهو حال عمل فيها ما دل عليه تلك، وقرأ عيسى بن عمر {خاوية} بالرفع على خبر المبتدأ المحذوف، والله أعلم. اهـ.

.قال ابن العربي:

قَوْله تَعَالَى: {قَالُوا تَقَاسَمُوا بِاَللَّهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ}.
فِيهَا مَسْأَلَتَانِ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: لَمَّا صَانَ اللَّهُ بِالْقِصَاصِ فِي أُهُبِهَا الدِّمَاءَ، وَعَلَيْهَا تَسَلَّطَ عَلَمُ الْأَعْدَاءِ، شَرَعَ الْقَسَامَةَ بِالتُّهْمَةِ حَسْبَمَا بَيَّنَّاهُ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ، وَاعْتَبَرَ فِيهَا التُّهْمَةَ، وَقَدْ حَبَسَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهَا فِي الدِّمَاءِ وَالِاعْتِدَاءِ، وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ فِي حُقُوقِ الْمُعَامَلَاتِ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: اعْتَبَرَ كَثِيرٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ قَتِيلَ الْمَحَلَّةِ فِي الْقَسَامَةِ؛ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ لِأَجْلِ طَلَبِ الْيَهُودِ، وَلِحَدِيثِ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ فِي الصَّحِيحِ: أَنَّ نَفَرًا مِنْ قَوْمِهِ أَتَوْا خَيْبَرَ فَتَفَرَّقُوا فِيهَا فَوَجَدُوا أَحَدَهُمْ قَتِيلًا، فَقَالُوا لِلَّذِي وُجِدَ فِيهِمْ: قَدْ قَتَلْتُمْ صَاحِبَنَا.
قَالُوا: مَا قَتَلْنَاهُ وَلَا عَلِمْنَا قَاتِلَهُ.
وَقَالَ عُمَرُ حِينَ قَدَعَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْيَهُودَ: أَنْتُمْ عَدُوُّنَا وَتُهْمَتُنَا.
وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِلْيَهُودِ وَبَدَأَ بِهِمْ أَيَحْلِفُ مِنْكُمْ خَمْسُونَ رَجُلًا.
فَأَبَوْا، فَقَالَ لِلْأَنْصَارِ: أَتَحْلِفُونَ قَالُوا: نَحْلِفُ عَلَى الْغَيْبِ يَا رَسُولَ اللَّهِ.
فَجَعَلَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى يَهُودَ؛ لِأَنَّهُ وُجِدَ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ.
وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي مَسَائِلِ الْخِلَافِ. اهـ.

.قال الماوردي:

قوله تعالى: {فَإِذَا هُمْ فَرِيقَانِ يَخْتَصِمُونَ} فيه قولان:
أحدهما: كافر ومؤمن، قاله مجاهد.
الثاني: مصدق ومكذب، قاله قتادة.
وفيم اختصموا؟ فيه قولان:
أحدهما: أن تقول كل فرقة نحن عل الحق دونكم.
الثاني: اختلفوا أتعلمون أن صالحًا مرسل من ربه، قاله مجاهد.
قوله: {قَالَ يَا قَوْمِ لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ} فيه قولان:
أحدهما: بالعذاب قبل الرحمة، قاله مجاهد، لقولهم {فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ}.
الثاني: بالبلاء قبل العافية، قاله السدي.
{لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} فيه وجهان:
أحدهما: بالكفاية.
الثاني: بالإِجابة.
قوله: {قَالُواْ اطَّيَّرْنَا بِكَ وَبِمَن مَّعَكَ} أي تشاءَمنا بك وبمن معك مأخوذ من الطيرة، وفي تطيرهم به وجهان:
أحدهما: لافتراق كلمتهم، قاله ابن شجرة.
الثاني: للشر الذي نزل بهم، قاله قتادة.
{قَالَ طَآئِرُكُمْ عِندَ اللَّهِ} فيه وجهان:
أحدهما: مصائبكم عند الله، قاله ابن عباس، لأنها في سرعة نزولها عليكم كالطائر.
الثاني: عملكم عند الله، قاله قتادة، لأنه في صعوده إليه كالطائر.
{بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ} فيه وجهان:
أحدهما: تبتلون بطاعة الله ومعصيته، قاله قتادة.
الثاني: تصرفون عن دينكم الذي أمركم الله به وهو الإسلام، قاله الحسن.
قوله: {وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ}.
الرهط الجمع لا واحد له يعني من ثمود قوم صالح وهم عاقرو الناقة، وذكر ابن عباس أساميهم فقال: هم زعجي وزعيم وهرمي ودار وصواب ورباب ومسطح وقدار، وكانواْ بأرض الحجر وهي أرض الشام، وكانوا فساقًا من أشراف قومهم.
{يُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ وَلاَ يُصْلِحُونَ} فيه خمسة أوجه:
أحدها: يفسدون بالكفر ولا يصلحون بالإيمان.
الثاني: يفسدون بالمنكر ولا يصلحون بالمعروف.
الثالث: يفسدون بالمعاصي ولا يصلحون بالطاعة.
الرابع: يفسدون بكسر الدراهم والدنانير ولا يصلحون بتركها صحاحًا، قاله ابن المسيب، قاله عطاء.
الخامس: أنهم كانوا يتتبعون عورات النساء ولا يسترون عليهن.
قوله: {قَالُواْ تَقَاسَمُوا بِاللَّهِ} أي تحالفواْ بالله.
{لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ} أي لنقتلنه وأهله ليلًا، والبيات قتل الليل.
{ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ} أي لرهط صالح.
{مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ} أي قتله، وقتل أهله، ولا علمنا ذلك.
{وَإِنَّا لَصّادِقُونَ} في إنكارنا لقتله.
{وَمَكَرُواْ مَكْرًا} وهو ما همّوا به من قتل صالح.
{وَمَكَرْنَا مَكْرًا} وهو أن رماهم الله بصخرة فأهلكهم.
{وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ} أي لا يعلمون بمكرنا وقد علمنا بمكرهم.
وفي مكرهم ومكر الله تعالى بهم قولان:
أحدهما: قاله الكلبي، وهم لا يشعرون بالملائكة الذين أنزل الله على صالح ليحفظوه من قومه حين دخلوا عليه ليقتلوه، فرموا كل رجل منهم بحجر حتى قتلوهم جميعًا، وسَلِمَ صالح من مكرهم.
الثاني: قاله الضحاك، أنهم مكروا بأن أظهروا سفرًا وخرجوا فاستتروا في غار ليعودوا في الليل فيقتلوهُ، فألقى الله صخرة على باب الغار حتى سدّه وكان هذا مكر الله بهم. اهـ.